على مدار 42 عاما كاملة اعتلى خلالها الرئيس الليبى معمر القذافى قمة السلطة، مر خلالها بالعديد من المواقف والمواجهات والعلاقات المتوترة مع دول وأشخاص بل وشعوب، وأثار خلالها الكثير من الجدل حول أقواله وتصرفاته التى كانت تثير استغراب واستهجان البعض أحيانا والضحك والسخرية فى أحيان أكثر.
معمر القذافى (مواليد 7 يونيو 1942 فى سرت، ليبيا) هو ملازم سابق فى الجيش الليبى قاد انقلابا عسكريا على الملكية الدستورية أسماه ثورة الفاتح من سبتمبر وذلك فى 1 سبتمبر 1969 وأطاح من خلاله بحكم الملك إدريس الأول واستلم سدة الحكم. وتعد سنين حكمه للبلاد التى طالت نحو 42 عاما هى أطول سنين حكم لحاكم غير ملكى فى التاريخ.
يطلق على نفسه لقب قائد الثورة كما عرف بلقب "العقيد القذافى" وأطلق على نظام حكمه عام 1977 اسم الجماهيرية. كما يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة منذ سنة 1969، وشغل منصب رئيس مجلس قيادة الثورة فى الفترة (1969 -1977).
والقذافى صاحب أطول فترة حكم لليبيا منذ أن أصبحت ولاية عثمانية سنة 1551. كما يعتبر حاليا، أقدم حاكم على وجه الأرض.
صعد القذافى إلى السلطة سنة 1969 بعد انقلاب قام به مع من أسماهم بالضباط الأحرار الذين أنهوا الملكية وأطاحوا بالملك إدريس الأول فيما أطلق عليه لاحقا ثورة الفاتح من سبتمبر. سمى الضباط الليبيون حركتهم بالضباط الأحرار تيمنا بحركة الضباط الأحرار المصرية التى أطاحت هى الأخرى بالملكية فى مصر سنة 1952.
للزعيم جمال عبد الناصر مكانة خاصة فى قلب القذافى تراها فى احتفاظه بصور لعبد الناصر على جدران مكتبه وغرفته وحتى ملابسه المثيرة للجدل. وكانت ثورة 23 يوليو بمثابة الإلهام للثورة الليبية، وأطلق عليه الزعيم جمال عبد الناصر لقب أمين القومية العربية والوحدة العربية، وانشغاله بالهموم القومية جعلته دائم المبادرة إلى إطلاق العديد من التجارب الوحدوية، منها ميثاق طرابلس الوحدوى فى 27 ديسمبر 1969 بين مصر – السودان – ليبيا، وإعلان القاهرة فى سنة 1970 الذى استند إلى مبادئ الثورة، الحرية، الاشتراكية، الوحدة بين البلدان الثلاث، واتحاد الجمهوريات العربية 17/4/1971 بين ليبيا، مصر، سوريا باعتبارها النواة الأساسية لتحقيق الوحدة الشاملة، والوحدة الاندماجية بين ليبيا ومصر سنة 1972، والمسيرة الوحدوية التى قادها من رأس أجدير متجهة إلى مصر تعبيرا عن إرادة الشعب العربى فى تحقيق الوحدة العربية الاندماجية 18 يوليو 1973، وبيان جربة لإقامة الجمهورية العربية الإسلامية بين ليبيا وتونس بورقيبة فى 12 أبريل 1974، وبيان حاسى مسعود الوحدوى بين ليبيا والجزائر 28 ديسمبر 1975.
وتحول القذافى عاشق الألقاب بعد فشله فى تحقيق وحدة العرب إلى البحث عن كيان آخر يشبع تطلعاته وشغفه النرجسى بالسلطة والعظمة بالتوجه إلى أفريقيا ودعمه للحركة الانفصالية التى قادها جون قرنق ضد الرئيس السودانى عمر النميرى الذى احتد الخلاف بينهما.
والقذافى واحد من القادة العرب الذين أتوا للحكم فى النصف الثانى من القرن العشرين فى عصر القومية العربية وجلاء الدول الاستعمارية عن الوطن العربى فاتخذ فى بادئ الأمر الخط القومى العربى، وحاول إعلان الوحدة مع تونس كما حدث بين مصر وسوريا، إلا أن محاولاته جميعها باءت بالفشل الذريع، فتحول من مشروعه القومى العربى إلى مشروع أفريقى، وسمى نفسه "ملك ملوك أفريقيا".
أثارت أفكاره التى يطرحها الكثير من الجدل والاستهجان من قبل الكثير داخل وخارج ليبيا، خاصة بعد انفراده بالقرار فى البلاد لمدة تزيد عن أربعة عقود واتهامه مع عائلته بتهم الفساد وهدر مقدرات البلاد لسنين طوال وقمع الحريات العامة، بالرغم مما يطرحه من فكر جماهيرى بالمشاركة بالسلطة، والذى أوجده فى السبعينيات من القرن الماضى حسبما يقدمه فى كتابه الأخضر.
بنى القذافى نظاما غريب الأطوار لا نظير له فى العالم على الإطلاق، ليس بالجمهورى ولا الملكى، وإنما هو مزيج من أنظمة قديمة وحديثة، يدعى أنه لا يحكم وإنما يقود ويتزعم، ولكن الواقع يشير إلى أنه يكرس كل الصلاحيات والمسئوليات فى يديه.
وكان لآراء وتعليقات القذافى رصيد كبير من اهتمام العالم ليس لأهميتها بقدر من غرابتها ولعل أبرزها دعوته لإنشاء دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين تحت اسم "إسراطين" وكلمته التى استمرت 45 دقيقة فى الأمم المتحدة وأدت إلى ملل وضجر الحضور وإلقائه وتمزيقه ميثاق الأمم المتحدة، وخيمته الشهيرة التى كان ينصبها فى زيارته للعالم وأبرزها فى باريس ونيويورك وتراجعه المفاجئ عن رفض التفتيش على الأسلحة النووية بعد إعدام الرئيس العراقى صدام حسين.
القذافى وأفريقيا
التوجه نحو أفريقيا ليس جديداً فى فكر معمر القذافى بل إنه طالما ردد منذ بداية الثورة فى 1969 شعارات "أن أفريقيا للأفريقيين"، وأن "لا حلف لأفريقيا إلا مع نفسها"، مؤكداً على أهمية ودور القارة الأفريقية فى عالم اليوم، وفى هذا الصدد لعبت الدول الأفريقية دورا هاما فى تليين موقف أمريكا وبريطانيا فى القبول بالشروط الليبية بشأن قضية لوكربى، وذلك باتخاذها قرارا فى قمة واجادوجو لرؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية بكسر الحظر المفروض من مجلس الأمن الدولى على ليبيا بحلول شهر سبتمبر من نفس العام الذى عقدت فيه القمة ما لم تستجب الدولتان للشروط الليبية.
ولعل هذا ما دعم توجهات معمّر القذافى الأفريقية خاصة أن الظروف الدولية قد شهدت العديد من المستجدات التى تدفع باتجاه توحيد القارة فأسس فى العام 1999 تجمع دول الساحل والصحراء الذى يضم الآن 23 دولة فى عضويته، كما بذل معمّر القذافى عقب ذلك جهودا حثيثة لتطوير منظمة الوحدة الأفريقية وتحويلها إلى الاتحاد الأفريقى، وهو ما نجح فيه بالفعل فى قمة سرت للقادة الأفارقة التى عقدت فى 9 سبتمبر 1999، والتى صدر عنها إعلان سرت الشهير، كما فتح أبواب ليبيا على أفريقيا بصورة واسعة ليست عليها من قبل. ويسعى حاليا إلى قيام الولايات المتحدة الأفريقية.
قضية لوكربى
لقد كانت قضية لوكربى من أخطر التحدّيات التى واجهها معمّر القذافى فلم يكن بيد الغرب يوما ما حجّة قويّة يمكن أن يستخدمها ضد ليبيا فى صراعه معها كهذه القضية ليس لكفاية الدليل فيها بل لأن الغرب استطاع الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولى يلزم ليبيا بتسليم اثنين من مواطنيها مشتبه فى ضلوعهما فى الحادث، لكن استطاع معمّر القذافى على مدى 7 سنين هى الفترة التى استغرقتها الأزمة، أن يديرها بصورة قادت إلى خروج ليبيا منها بسلام مناورا بين القبول بالقرارات الدولية تارة ثم التفاوض حولها، وتارة أخرى متحدّيا لها، بكسر الحظر الجوّى المفروض، وذلك بقيام الطائرات الليبية بنقل أفواج الحجيج دون أذن من الأمم المتحدة أو قيامه هو بكسر هذا الحظر من خلال الانتقال إلى الدول العربية أو الأفريقية على متن طائرات ليبية دون أذن من المنظمة المذكورة، أو الالتفاف على الحظر الاقتصادى من خلال شبكة مؤسسات مالية استطاع معمّر القذافى أن يقيمها على مدى سنوات، وأن يوظفّها بصورة جعلت من الحظر لا تأثير له فى القرار الليبى. لقد استطاع معمّر القذافى أن يوّظف الاقتصاد الليبى والعلاقات الدولية التى أقامها منذ وصوله إلى سدة القيادة فى ليبيا لخدمة المعركة المفروضة عليه من خصومه الذين ما انفكوا يبحثون عن الفرص للإيقاع به ولم ينجحوا يوما ما فى مآربهم، كما استطاع معمّر القذافى أن ينجح فى تعبئة الليبيين فى هذه المعركة، وأن يجعل منها فرصة أخرى تزيد التفافهم من حوله. انتصرت ليبيا فى هذه المعركة السياسية وذلك بعد قبول الولايات المتحدة بمحاكمه المشتبه فيهما إلى دولة محايدة.
ثروته
نشر موقع ويكيليكس تقارير قالت إن العقيد معمر القذافى يتصدر قائمة أثرياء الزعماء العرب بثروة تقدر بـ131 مليار دولار، وهى ثروة تقارب ستة أضعاف ميزانية ليبيا للعام 2011 م البالغة 22 مليار دولار. وتقول التقارير إن معظم استثمارات القذافى فى إيطاليا بسبب العلاقة الوثيقة التى كانت تربطه برئيس الوزراء سيلفيو برلسكونى، وهو يمتلك نحو 5 % من كبرى الشركات الإيطالية، كما يمتلك أسهم فى نادى يوفنتوس وشركة نفط "تام أويل" وشركات تأمين واتصالات وشركات ملابس شهيرة. وتقدر الإحصاءات أن ثروة القذافى يمكن أن تسد حاجة الوطن العربى الغذائية التى تقدر بين 20 و25 مليار دولار مدة ثلاث إلى أربع سنوات.
الحارسات الشخصيات
باتت الحارسات الشخصيات إلى جانب الملابس غير المألوفة والخيمة العربية ثلاثة مظاهر ارتبطت بالزعيم الليبى معمر القذافى، ولفتت الأنظار إليه فى زياراته لدول العالم المختلفة.
وجاء اختيار العقيد القذافى للنساء لحمايته متناقضا مع تصوراته المعلنة عن المرأة، وتأكيداته المكررة فى كتابه الأخضر أن "مكان النساء هو البيوت لأن تكليفهن بوظائف الرجال يفقدهن أنوثتهن وجمالهن".
وتشير المعلومات القليلة المتوافرة عن حارسات القذافى إلى أن تعدادهن يصل لنحو 400 حارسة، وأنهن يشكلن وحدة ذات وضع مميز داخل القوات الخاصة المكلفة بحمايته.
وتعود أصول هؤلاء الحارسات إلى منطقة الصحراء التى تشير الروايات التاريخية المتداولة بليبيا إلى أنها كانت مقر النساء الأمازيغيات المحاربات فى الأساطير اليونانية.
معمر القذافى وأبناؤه.. عائلة كبيرة ومصائر مجهولة
الزوجة الأولى وابنه محمد
تزوج القذافى مرتين، وأنجب العديد من الأبناء. أنجب من الأولى، وهى فتحية خالد، ابناً وحيداً هو محمد، الذى أعلن استسلامه لقوات الثوار بعيد سيطرتهم على طرابلس، ومحمد لم تكن له اهتمامات سياسية، وكرس نفسه بوصفه رجل أعمال، وهو مالك أكبر شبكة اتصالات هاتفية فى ليبيا، بجانب ذلك، كان محمد يرأس اللجنة الأولمبية الليبية.
الزوجة الثانية
تزوج القذافى فى المرة الثانية من صفية فركاش (التى كانت تعمل ممرضة عندما تعرف إليها إثر وعكة صحية عام 1971)، فهى والدة باقى أنجاله البالغ عددهم سبعة أولاد وبنت واحدة.
سيف الإسلام
ثانى أبناء القذافى، والابن البكر لصفية، هو من مواليد الخامس من حزيران عام 1972، ودرس الهندسة المعمارية.
إلى عهد قريب، كان ينظر إلى سيف الإسلام باعتباره "الوريث" للقذافى، وهو أكثر الأبناء نشاطاً فى المجال السياسى، بل وسار خلف والده من حيث مواقفه السياسية ومواقفه من التطورات فى ليبيا، الأمر الذى دفعت المحكمة الجنائية الدولية لتشمله مع والده وزوج عمته فى مذكرة التوقيف .
الساعدى
ثالث أبناء القذافى، وهو لاعب كرة قدم محترف، كما أنه أحد أبرز أبناء القذافى المشاكسين. وفيما سرت شائعات بأنه نجح فى الفرار من ليبيا إلى الجزائر أو تونس، ذكر ناطق باسم الثوار أنه تم القبض عليه.
المعتصم
يشغل المعتصم منصب مستشار والده لشئون الأمن القومى، لم يعرف مصيره حتى الآن، ولم يسمع عنه الكثير خلال المعارك مع الثوار منذ بداية الانتفاضة الشعبية فى فبراير الماضى.
هنيبال
يعتبر حالياً من أكثر أبناء القذافى إثارة للجدل، والمشاكل، وهو الذى كادت مشكلاته فى سويسراً تتحول إلى أزمة دبلوماسية بعد توقيفه بسبب ضرب خدمة زوجته عارضة أزياء لبنانية الأصل تدعى إلين سكاف.
خميس
قاد خميس لواء من القوات الخاصة يحمل اسمه، وخاض معارك ضد الثوار، وسرت شائعات عديدة تفيد بمقتله خلال هجمات لقوات حلف الناتو، غير أنه تم نفى هذه الشائعات مرتين من خلال عرض لقطات له على التلفزيون الليبى، وما زال مصيره مجهولاً.
عائشة
الابنة الوحيدة للقذافى، وربما مدللته، إذ يسمى (القذافى) حارساته كلهن باسمها، مع إضافة الرقم إليهن، مثل عائشة واحد وعائشة اثنين، وهكذا، وخلال قصف شنته قوات الناتو على أحد المنازل التابعة لآل القذافى، قتل أحد أولادها بحسب معلومات صحفية، غير أنه لم تتأكد تلك المعلومات، وبعد سيطرة الثوار على طرابلس ذكرت أنباء أنها تمكنت من الهرب إلى الجزائر مع شقيقها الساعدى وعدد من أولادها.
سيف العرب
كان يدرس ويعيش فى مدينة ميونيخ الألمانية، ولا يعرف عنه الكثير، وسرت شائعات بأنه التحق بالثورة الشعبية فى بنغازى، غير أنه لم يجر نفيها أو تأكيدها، ثم اختفت تلك الإشاعة تماماً، وفى وقت لاحق، وأثناء قصف قوات الناتو لمنزل آل القذافى، أعلنت الحكومة الليبية أن سيف العرب قتل فى القصف، إلى جانب اثنين من أحفاد القذافى بالإضافة إلى أبناء القذافى من زوجتيه، هناك ابنان بالتبنى، هما:
هناء
هى ابنة متبناة للقذافى قضت فى القصف الأمريكى لطرابلس عام 1986، على المنزل الذى ظهر فيه خلال خطبته الشهيرة، وطالب فيها بالقضاء على المتمردين الذين وصفهم بـ"الجرذان المقملين" والخروج عليهم من كل شارع وبيت ودار وزنقة، ورغم هذه الأنباء عن مقتلها إلا أن هناك الكثير من الشائعات حول عدم صحة هذا القول، وأنها مازالت على قيد الحياة.
ميلاد
الابن الأصغر للقذافى، وهو ابن شقيقه الذى تبناه، ولا يعرف عنه الكثير.