يذكر رجل يسمى ابن جدعان وهذه القصة حدثت منذ أكثر من مائة سنة تقريبًا فهي واقعية ...
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
يقول : خرجت في فصلالربيع ، وإذا بي أرى إبلي سماناً يكاد أن يُفجَر الربيع الحليب ، كلما اقترب ابن الناقة من أمه دَرّت وانفجر الحليب منها من كثرة البركة والخير ، فنظرت إلى ناقة مننياقي وابنها خلفها وتذكرت جارًا لي له بُنيَّات سبع ، فقير الحال ، فقلتُ واللهلأتصدقن بهذه الناقة وولدها لجاري ، والله يقول : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [آل عمران:92]
وأحب مالي إلي هذه الناقة
يقول : أخذت هذهالناقة وابنها وطرقت الباب علىجاري وقلت خذها هدية مني لك ...
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
يقول: فرأيت الفرح فيوجهه لا يدري ماذا يقول فكان يشرب من لبنها ويحتطب علىظهرها وينتظر وليدها يكبر ليبيعه وجاءه منها خيرٌ عظيم !!
فلما انتهىالربيع
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
وجاءالصيف بجفافه وقحطه ، تشققت الأرض وبدأ البدو يرتحلون يبحثون عن الماء والكلأ ، يقولشددنا الرحال نبحث عن الماء في الدحول ، والدحول : هي حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية لها فتحات فوق الأرض يعرفها البدو .
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
يقول : فدخلت إلى هذاالدحل لأُحضر الماء حتى نشرب ـ وأولادهالثلاثة خارج الدحل ينتظرون ـفتهت تحت الدحل ولم أعرف الخروج !
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
وانتظر أبناؤه يومًا ويومينوثلاثة حتى يئسوا وقالوا : لعلثعبانًا لدغه ومات .. لعله تاه تحتالأرض وهلك .. وكانوا والعياذ بالله ينتظرون هلاكه طمعًا في تقسيم المال والحلال، فذهبوا إلى البيت وقسموا الميراث
فقام أوسطهم وقال:أتذكرون ناقة أبي التي أعطاها لجاره
إن جارنا هذا لا يستحقها ، فلنأخذ بعيرًا أجربًا فنعطيه الجار ونسحب منهالناقة وابنها ، فذهبوا إلىالمسكين وقرعوا عليه الدار
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
وقالوا:أخرج الناقة ...
قال : إن أباكمأهداها لي .. أتعشى وأتغدى من لبنها ، فاللبن يُغني عن الطعام والشراب كما يُخبر النبي، فقالوا : أعد لنا الناقة خيرٌ لك ، وخذ هذا الجمل مكانها وإلا سنسحبها الآن عنوة ، ولننعطك منها شيئًا !
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
قال : أشكوكم إلى أبيكم ...
قالوا : اشكِ إليه فإنه قد مات !!
قال : مات .. كيفمات؟ ولما لا أدري؟
قالوا : دخل دِحلاً في الصحراء ولميخرج
قال : اذهبوا بي إلى هذاالدحل ثم خذوا الناقة وافعلوا ما شئتم ولا أريدجملكم ، فلما ذهبوا به وراء المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفي ذهب وأحضر حبلاً وأشعل شعلةً ثم ربطه خارج الدحل فنزل يزحف على قفاه حتى وصل إلى مكان يحبوا فيه وآخر يتدحرج ... ويشم رائحة الرطوبة تقترب ،وإذا به يسمع أنينًا وأخذ يزحف ناحية الأنين في الظلامويتلمس الأرض ، ووقعت يدهعلى طين ثم على الرجل فوضع يده فإذا هو حي يتنفس بعد أسبوع من الضياع فقام وجره وربط عينيه ثم أخرجه معه خارج الدحلوأعطاه التمر وسقاه وحمله على ظهره وجاء به إلى داره ، ودبت الحياة في الرجل من جديد ، وأولاده لا يعلمون
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
قال : أخبرني بالله عليك كيف بقيت أسبوعًا تحت الأرض وأنت لم تمت !!
قال: سأحدثك حديثاً عجيباً ، لما دخلت الدُحل وتشعبت بي الطرق فقلت آوي إلى الماء الذي وصلت إليه وأخذت أشرب منه, ولكن الجوع لا يرحم ، فالماء لا يكفي ...
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
يقول : وبعد ثلاثة أيام وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ ، وبينما أنامستلقٍ على قفاي سلمت أمري إلى الله وإذا بي أحس بلبن يتدفق على لساني فاعتدلت فإذا بإناء في الظلام لا أراه يقترب من فمي فأرتوي ثم يذهب ، فأخذ يأتيني في الظلام كل يوم ثلاث مرات ، ولكن منذ يومين انقطع .. لا أدري ما سبب انقطاعه ؟
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
يقول : فقلت له لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت ! ظن أولادك أنك مت جائوا إلي فسحبوا الناقة التي كان يسقيك الله منها .. والمسلم في ظل صدقته ، وكما قال :
( صنائع المعروف تقي مصارع السوء )
فجمع أولاده وقال لهم: أخسئوا .. لقد قسمت مالي نصفين نصفه لي ، ونصفه لجاري !
أرأيتم كيف تخرج الرحمة وقت الشدة ... !
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنهـا لا تفرج
إذا أعجبك محتوى الرسالة . . أرسلها لغيرك